إنعكاسات الإيمان باليوم الآخر
تُعدّ عقيدة الإيمان باليوم الآخر من الأعمدة الأساسية في الإسلام، وقد أولى الله -تعالى- اهتمامًا كبيرًا لتذكير الناس بضرورة الإيمان بقدوم هذا اليوم. فبسبب انشغال الإنسان بالحياة الدنيا وما فيها من مغريات وشهوات، يُحذر القرآن الكريم من نسيان النهاية الحتمية للحياة، كما ورد في قوله: (أَرَضيتُم بِالحَياةِ الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا فِي الآخِرَةِ إِلّا قَليلٌ). عندما يؤمن الفرد بقدوم هذا اليوم، يتوجه إلى السعي لتحقيق الأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله -تعالى- ليدرك رضاه والجنة. ومن خلال هذا الإيمان، يفهم الإنسان أن الحياة الدنيا رحلة قصيرة ونعيمها زائل، وأنها مجرد مرحلة تتطلب التحضير للحياة الآخرة التي تتضمن النعيم الأبدي والثواب الجزيل، الذي يكون نتيجة للأعمال التي أُريد بها وجه الله -تعالى-. لذلك، هناك آثار متعددة للإيمان باليوم الآخر تتجلى في حياة الأفراد، وأبرزها:
- الإحساس براقبة الله -تعالى- للعباد، مما يدفعهم للتقوى في كافة أعمالهم نظرًا لأنهم سيُسألون عنها في اليوم الآخر. ومن المعلوم أن الله -تعالى- لا يُضيع أجر أي عمل، سواء كان خيرًا أم شرًا، صغيرًا أم كبيرًا، كما ورد في قوله: (وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبينَ).
- الاستمرارية في القيام بأعمال الخير والاجتهاد في طاعته -تعالى- طمعًا في الأجر والثواب في الآخرة، وفقًا لأمره: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).
- البذل والإنفاق في سبيل الله بالمال والنفس تواضعًا وتقربًا إليه -عز وجل-، حيث يُضاعف الأجر يوم القيامة إلى سبعمائة ضعف، كما رواه الإمام مسلم -رحمه الله- عن عقبة بن عمرو -رضي الله عنه- الذي نقل: (جَاءَ رَجُلٌ بنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقالَ: هذِه في سَبيلِ اللهِ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لكَ بهَا يَومَ القِيَامَةِ سَبْعُ مِئَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ). وقد وعد الله -تعالى- المؤمنين بالجنة والخلود فيها، كما جاء في قوله: (إِنَّ اللَّـهَ اشتَرى مِنَ المُؤمِنينَ أَنفُسَهُم وَأَموالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ). وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُحفز أصحابه للقتال بالقول: (قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ).
- الصبر على الابتلاءات والرضا بقضاء الله وقدره، مع اليقين بأن الله -تعالى- سيعوض المتألمين في الآخرة. كما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في حديثٍ رواه الإمام البخاري -رحمه الله-: (إنَّ اللَّهَ قالَ: إذا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ منهما الجَنَّةَ)، حيث يُشير إلى حبيبيْه أنهما عينيه. وقد تحدث النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فضل الصبر، مؤكدًا: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له).
- الاستعداد الكامل لهذا اليوم العظيم وما يرافقه من أهوال وأحوال، كما أوضحت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة التي تتناول نهاية حياة الناس بين الخلود في الجنة أو النار. لذا يسعى المؤمن إلى العمل لما هو خير والابتعاد عن كل ما يُضره ولا ينفعه.
- ضبط النفس عن الرغبات والشهوات، والابتعاد عن المعاصي والآثام، مما يُحسّن من حياة العبد وينمي في نفسه طاعة الله -تعالى-، وبالتالي يعيش حياة كريمة ومليئة بالخير.
تعريف الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر يُعتبر ركنًا مهمًا من أركان الإيمان في الإسلام، إذ لا يكتمل إيمان العبد إلا بتصديق وإقرار جازم بوقوع هذا اليوم وما يرافقه من أحداث. وقد اهتم القرآن الكريم بتناول موضوع اليوم الآخر في العديد من السور، حيث ذُكر هذا اليوم في مواضع متعددة وبأساليب متنوعة. ونجد غالبًا أن الإيمان باليوم الآخر قد وُصل بالإيمان بالله في الكثير من الآيات، كما في قوله: (ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ). وتعددت الأسماء التي أُطلق عليها اليوم الآخر مثل: يوم الدين، يوم الحساب، يوم الخلود، يوم الحسرة، ويوم التناد. وذُكرت عدة سور في القرآن تشير إلى هذا اليوم، مثل: الواقعة، الحاقة، القارعة، الغاشية، والقيامة.
أحداث اليوم الآخر
يُعتبر اليوم الآخر نهاية الحياة في هذه الدنيا، ويبدأ بظهور علامات الساعة، التي تمثل مظاهر اليوم الآخر، ولا يعلم أحد وقت وقوع الساعة إلا الله -تعالى-. وقد بين الله ذلك في القرآن بقوله: (إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ). وتنقسم علامات الساعة إلى قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى. العلامات الصغرى تشمل الأحداث التي تسبق العلامات الكبرى بفترة طويلة، وهي كثيرة ومتنوعة، تم توضيحها في الأحاديث الصحيحة، مثل بعثة النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- وموته، وفتح بيت المقدس، وكثرة الفتن والقتل، وظهور مُدعي النبوة، وانتشار الجهل، وكثرة الكوارث. أما العلامات الكبرى، فهي التي تشير مباشرة إلى قرب قيام الساعة، ومنها: ظهور المهدي، وخروج المسيح الدجال، ونزول عيسى -عليه السلام- ومقاتلته للدجال، ومظاهر أخرى يُذكر فيها الذكر.
تعتبر أحداث القيامة جزءًا محورياً من اليوم الآخر، إذ تتضمن بعث الناس من قبورهم للحشر. وفي هذا اليوم، يحشر الله المؤمنين كما ورد في كتابه: (يَومَ نَحشُرُ المُتَّقينَ إِلَى الرَّحمـنِ وَفدًا)، بينما يُحشر الكافرون كما قال: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَـئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلً). وبعد فترة طويلة من الانتظار، يَحضر الأنبياء والرُّسل لأرض الحشر، ويقوم النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بشفاعته الكبرى لأمته، حيث قال: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي يَومَ القِيامَةِ). مع بداية الحساب، تُوزع صحف الأعمال على العبيد، حيث يستلم كل إنسان كتابه إما بيمينه أو بشماله. ويُعد وضع الموازين لقياس الأعمال أمرًا حتميًا، كما بيّن الله: (وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا). وعلى المؤمنين أن يردوا على حوض النبي، الذي يتصف بالماء الأبيض والطعم المُسكر والشهي، كما جاء في حديثه: (حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ). وأخيرًا يُعبر المؤمنون الصراط، وهو جسر على النار، حيث يقول الله: (وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا). وفي نهاية المطاف، يدخل المؤمنون الجنة ويخلدون فيها، بينما يُعاقب من يستحقون النار بدخولها في يوم مدته خمسون ألف سنة.