تعد البلاغة جزءًا أساسيًا من اللغة العربية، حيث تتضمن ثلاثة فروع رئيسية هي: علم البيان، علم المعاني، وعلم البديع الذي يركز على دراسة المحسنات البديعية. في هذا المقال، سوف نتحدث عن واحدة من أجمل المحسنات البديعية، وهي التورية، ونقدم أمثلة توضيحية توضح استخدامها في البلاغة.
ما هي التورية؟
- كما أشار علماء البلاغة، فإن للتورية عدة أسماء، منها الإيهام كما ذكره الخطيب التبريزي، ومن ثم التخيير الذي ذُكر بواسطة أحد غير العلماء، وكذلك التوجيه كما ورد على لسان ابن أبي الأصبع.
- أما بالنسبة لتعريف التورية، فقد تم تقسيمها إلى تعريف لغوي وآخر اصطلاحي. ففي اللغة، تُعرف على أنها كلمة “ورى” و”ريّت الشيء” و”واريته” بمعنى أخفيته. كذلك، يمكن أن تُفسر بأنها استتار أو إخفاء، حيث تعني “وريت الخبر” أنني جعلته من ورائي وأخفيته.
- وفيما يتعلق بالتعريف الاصطلاحي، كما ذكره الخطيب التبريزي، فإن التورية هي أن يطلق لفظ يحمل معنيين: الأول قريب وغير ملائم للمقام، لذا يُستبعد، والثاني بعيد لكنه مقبول ويُناسب المقام.
التورية في اللغة العربية
تتميز التورية في اللغة العربية بتعاريف عديدة تشمل تعريفًا لغويًا وآخر اصطلاحيًا. فالتعريف اللغوي يشير إلى إخفاء المعنى، بينما الاصطلاحي يعني استخدام كلمة أو لفظ يحمل مدلولين.
المعنى الأول قريب وواضح ولكنه لا يتناسب مع السياق، أما المعنى الثاني فهو بعيد وغير واضح رغم كونه المقصود. وغالبًا ما يستخدم المتحدث ألفاظًا يفهمها السامع بشكل معين، بينما ينوي المتحدث معنى آخر بعيد الدلالة.
بالتالي، يستطيع السامع أن يصل للمعنى من خلال التأمل والتفكير في الجملة، لذا يُطلق على التورية في اللغة العربية مصطلح الإيهام. تكمن روعة وأهمية التورية في إسهامها في:
- تمكين الأديب من تحقيق هدفه من النص دون كشف المعنى المطلوب، مما جعل الشعراء والأدباء يستخدمونها قديمًا في الهجاء.
- إثارة تفكير السامع وجاذبية انتباهه، مما يجعله يتأمل النص للوصول إلى المعنى المقصود والخفي.
- إضفاء جمال على النص وزيادة مكانة الشاعر أو الأديب.
أنواع التورية في اللغة العربية
تتضمن التورية العديد من الأساليب التي استخدمها الأدباء لتحقيق المعاني المقصودة، حيث استخدم البعض طرقًا مباشرة في إيصال المعنى، بينما استخدم البعض الآخر المحسنات البديعية لإضفاء جمالية للنص. ومن أبرز أنواع التورية:
- التورية المهيأة: وهي تلك التورية التي ترتبط بكلمة تأتي بعدها أو قبلها، مما يجعل وجودها مرتبطًا باللفظين.
- التورية المرشحة: تشير إلى الحالة التي يُذكر فيها جميع لوازم المعنى القريب مع ذكر اللازم بعد أو قبل لفظ التورية.
- التورية المبنية: تتضمن ذكر إحدى لوازم المعنى المورى عنه، والتي قد تأتي قبل أو بعد كلمة التورية.
- التورية المجردة: هذه التورية لا تحتوي على أي لوازم للمعاني القريبة أو البعيدة.
أمثلة على التورية والبلاغة
استجابة لرغبة الكثيرين، نقدم بعض الأمثلة والتدريبات حول أنواع التورية. وأهم هذه الأمثلة تتضمن:
- ولا برحت مصر أحق بيوسف من الشام لكن الحظوظ تقسم
في هذه العبارة، تكمن التورية في ذكر يوسف، حيث يشير الذهن في البداية إلى يوسف نبي الله عليه السلام، ولكن المعنى البعيد هنا هو صلاح الدين الأيوبي، الذي يعد الأنسب للحقبة الزمنية التي كتب فيها البيت، حيث كان الشاعر يمتدح صلاح الدين بلقب يوسف.
- قلبي جارهم يوم رحلوا، ودمعي جاري
كلمة “جاري” تعني من يجاورني، ولكن هذا المعنى هو القريب، في حين أن المعنى البعيد يشير إلى الجريان، مما يتعلق بدموع الشاعر.
- وهفا بالفؤاد في سلسبيل ظمأ للسواد من عين شمس
التورية هنا تكمن في كلمة “سواد”، حيث المعنى القريب غير المراد هو سواد العين، بينما المعنى البعيد يشير إلى ضواحي مدينة عين شمس المذكورة بعد كلمة “سواد”.
- جودوا لنشجب بالمديح على علاكم سرمدا فالطير أحسن ما تغرد عندما يقع الندا
تظهر التورية في كلمة “الندى”، حيث المعنى القريب غير المقصود هو قطرات المطر، بينما المعنى البعيد يتعلق بالكرم والجود، مما يبرر ذكر الشاعر لكلمة “جود” في بداية البيت.
التورية في القرآن الكريم
تتضمن آيات القرآن الكريم أمثلة عديدة على التورية، وقد أشار النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى أهمية استخدامها عند الحاجة، فقال: “إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب”. وفيما يلي بعض الأمثلة عن التورية في القرآن والسنة:
- “أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وهو مُردفٌ أبا بكر، وأبو بكر شيخ يُعرَفُ، ونبي الله شابٌّ لا يُعرَفُ، قال: فيلقى الرجل أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر، من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول: هذا الرجل يهديني السبيل، قال: فيحسب الحاسب أنه إنما يعني الطريق؛ وإنما يعني سبيل الخير”
في هذه الحالة، تكمن التورية في لفظ “السبيل”، حيث المعنى القريب هو الطريق، لكن المعنى البعيد هو الخير الذي يعبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ}، حيث التورية تظهر في كلمة “جرحتم”، حيث المعنى القريب هو الجرح الجسدي، والمعنى البعيد المقصود هو ارتكاب الذنوب والمعاصي.
تعريف البلاغة
تعتبر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولها مكانة عظيمة عند المسلمين، حيث تتفوق بلاغتها وإعجازها في التعبير. البلاغة هي أحد أقسام اللغة العربية، وتعبر عن حسن البيان وقوة التأثير، كما ورد في المعجم الوسيط. تُعرّف البلاغة أيضًا بأنها الطريقة المستخدمة لنقل معنى النص بلغة بليغة. تنقسم علوم البلاغة إلى:
- علم المعاني: يتناول تحليل تركيب الكلام وأساليب تكوين الجمل مع مراعاة الألفاظ المناسبة للتعبير عن المعنى.
- علم البيان: يتعلق بالظهور ويملك قواعد متعددة للوصول إلى المعاني بطرق متنوعة.
- علم البديع: يتخصص في تحسين الكلام من حيث الألفاظ والمعاني.
الهدف من دراسة البلاغة وفوائدها
تتعدد أهداف دراسة البلاغة، منها الهدف الديني لفهم بلاغة ألفاظ القرآن والأحاديث النبوية، والهدف النقدي للتمييز بين الجيد والسيء في الكلام، والهدف الأدبي لإنشاء شعر ونثر مميزين.
تفيد دراسة البلاغة في فهم معاني القرآن الكريم، حيث أن كتاب الله هو الأساس لعلم البلاغة ويمتلئ بأسراره، كما تسهم البلاغة في اختيار الألفاظ المناسبة في المواقف المختلفة، وتعزز من قدرة الفرد على إدراك معنى الجمل عند القراءة.