تُعتبر سورة العلق أول السور التي نزلت في مكة. القرآن الكريم هو الكتاب الإلهي الذي أصدره الله للناس جميعًا حتى قيام الساعة، ويتضمن القرآن ثلاثين جزءًا و114 سورة.
تُصنف السور القرآنية وفقًا لمكان نزولها إلى سور مكية نزلت في مكة المكرمة، وسور مدنية نزلت في المدينة المنورة. في هذا المقال، سنتناول الحديث عن أول سورة نزلت في مكة.
أول سورة نزلت في مكة
تباينت آراء العلماء والفقهاء حول السورة الأولى التي نزلت في مكة، والتي تُلخص كما يلي:
الرأي الأول
يرى البعض أن أول سورة نزلت هي سورة العلق، وتحديدًا أول خمس آيات منها.
استند المؤيدون لهذا الرأي إلى حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما تناولت معالم النبوة الأولى.
فقد كان النبي عليه السلام يفضل العزلة في غار حراء حتى جاءه ملك الوحي جبريل عليه السلام، حيث قال له: “اقرأ”. فأجابه النبي: “ما أنا بقارئ”.
فأخذه جبريل وأعاده إلى حالة الاستعداد حتى آلمه ذلك، ثم أعاد طرح السؤال ثلاث مرات، وكانت كل مرة يتجاوب فيها النبي لسؤال جبريل بالإجابة ذاتها.
إلى أن قال له جبريل: “اقرأ” بدءًا من أول خمس آيات من سورة العلق، وهي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ – وتصل الآيات إلى – عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).
هذا الرأي يتبناه العديد من الصحابة والعلماء، من بينهم السيدة عائشة وابن تيمية.
الرأي الثاني
الرأي الثاني يشير إلى أن أول سورة نزلت على قلب النبي محمد عليه السلام في مكة هي سورة المدثر.
واستند مؤيدو هذا الرأي إلى حديث روى الصحابي جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام، حين قال: “جَاوَرْتُ في حِرَاءٍ، فلما قضيت جواري، نُوديتُ فأنظُرُ خلفي وأمامي وعن يميني وعن شمالي، فإذا هو جالسٌ على كرسي بين السماء والأرض، فعُدت إلى خديجة وقلت: دثروني، وصبّوا عليّ ماءً بارداً، فنزلت الآيات: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ).
الرأي الثالث
أما الرأي الثالث فيشير إلى أن أول سورة نزلت على النبي محمد عليه السلام في مكة هي سورة الفاتحة.
هذا الرأي يستند إلى حديث النبي عليه السلام عندما ذكر خلوته مع جبريل في غار حراء، حيث أخبر جبريل النبي بعبارة (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم …) حتى بلغ إلى قوله “وَلَا الضَّالِّينَ”. وقد أورد هذا الرأي الإمام البيهقي في كتابه “دلائل النبوة”، ولكن توجد بعض المسائل المتعلقة بسند الحديث.
توحيد الآراء حول أول سورة مكية
يمكن تلخيص التوافق بين الآراء الثلاثة كالتالي:
- يمكن اعتبار سورة الفاتحة هي أول سورة نزلت كاملة.
- في حين تُعتبر سورة العلق أول آيات نزلت على قلب النبي.
- وتعتبر سورة المدثر أول ما نزل من أوامر الدعوة الإسلامية.
- ذهب الإمام السيوطي إلى أن الآيات الخمس الأولى من سورة العلق هي أول آيات نزلت على النبي محمد في غار حراء.
- بمعنى أن سورة العلق لم تنزل كاملةً، أما السور التي نزلت كاملةً في مكة فهما سورة الفاتحة وسورة المدثر، ولا زال هناك جدل حول أيهما سبقت الأخرى.
ما يميز السور المكية
من حيث الموضوعات
تتميز السور المكية في القرآن الكريم، وفقًا لآراء العلماء، بالنقاط الآتية:
- الدعوة إلى وحدانية الله وعبادته دون شريك.
- حيث ركزت هذه السور على نبذ عبادة الأوثان والأصنام، وتوجيه العبادة نحو الخالق والرازق.
- تشدد السور المكية على تصديق النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
- أنه النبي الحقيقي والخاتم الذي بعثه الله للعرب وللناس جميعًا.
- وأن القرآن هو كلام الله جل وعلا.
- تحدثت السور المكية أيضًا عن يوم القيامة وأهميته الكبيرة.
- مؤكدة على أن الله سبحانه وتعالى سيبعث عبادَه من آدم حتى قيام الساعة ليحاسبهم على أعمالهم.
- تناولت السور المكية العديد من الآيات عن نعيم الجنة التي وعد الله بها المؤمنين.
- وتصف ما فيها من قصور وأنهار وكنوز وحُور عين.
- بالإضافة إلى ذكر النار وأهوالها للكافرين.
- جادلت السور المكية بعض مشركي عصرها جدالًا عقلانيًا.
- حيث قدمت أدلةً على وحدانية الله واحتياجه إلى الأوثان.
- عرضت السور المكية مثالب المشركين وعاداتهم الجاهلية مثل الربا وأكل مال اليتيم.
- تميزت السور بذكر قصص الأنبياء وكيف أن الله نصرهم.
من حيث الأسلوب
تختلف السور المكية عن السور المدنية في أسلوب عرض الآيات كالتالي:
- قصر الآيات وجزالة اللفظ، حيث تتميز السور المكية بآيات قصير تتضمن معانٍ عميقة.
- مثال على ذلك: (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ …).
- الإكثار من القسم، حيث تميزت هذه السور بكثرة القسم بالله بمخلوقاته.
- مثال ذلك: (وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا …).
- ورود كلمة “كلا” في الآيات، حيث تُعتبر مؤشرًا قويًا يدل على أن السورة مكية.
- وجود آيات السجدة، حيث تحتوي السور المكية على خمس عشرة سجدة.
- بداية السور بحروف التهجي، حيث أن السور التي تبدأ بتلك الأحرف هي عادة مكية.