ولد صلاح الدين الأيوبي، أحد أبرز القادة العسكريين في التاريخ الإسلامي، في مدينة تكريت بالعراق، وذلك في عام 532 هجريًا (1138 ميلاديًا). ويُعتبر صلاح الدين مؤسس الدولة الأيوبية التي شملت عدة مناطق من العالم الإسلامي، مثل مصر، والشام، والحجاز، وتهامة، واليمن، بعد أن انتزع الحكم من الفاطميين الذين استمروا في حكم مناطق واسعة لمدة تجاوزت 262 عامًا.
اسمه ونسبه
صلاح الدين هو أبو المظفر صلاح الدين بن يوسف بن أيوب بن شاذي، وينتمي إلى أسرة عريقة حيث يُعرف بلقب “صلاح الدين الأيوبي” نسبةً إلى تأسيسه الدولة الأيوبية.
أين وُلِد صلاح الدين
وُلِد صلاح الدين الأيوبي في مدينة تكريت، وارتبط يوم مولده بمغادرة والده، نجم الدين أيوب، إلى قلعة تكريت حيث كان يشغل منصب الوالي آنذاك. أمضى صلاح الدين طفولته في دمشق، وقضى سنوات شبابه في قصر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي. لقد أحب صلاح الدين دمشق بشكل خاص، حيث نال تعليماً متقدماً وتفوق في مجالات دراسته.
تُشير الروايات التاريخية إلى أن صلاح الدين كان مُلماً بمجالات متنوعة تشمل الهندسة، الرياضيات، والحساب، إضافةً إلى علوم الشريعة الإسلامية، لكنه كانت لديه ميول قوية نحو الدراسات الدينية وفقه الإسلام. كما كان يتلقى التعليم العسكري واهتم بعلم الأنساب والسير الذاتية والأدب العربي، حيث حفظ شعراً من دواوين أدبية شهيرة مثل “ديوان الحماسة” لأبي تمام.
بدايات صلاح الدين العسكرية
في منتصف القرن الثاني عشر، كانت الدولة العباسية قد انقسمت إلى دويلات متعددة، وكانت الفاطميون يتبنون الخلافة في مساجدهم وينكرون خلافة بغداد، وسط احتلال الصليبيين للشاطئ الشرقي للبحر المتوسط. خلال هذه الفترة، بدأ صلاح الدين يبرز كقائد عسكري تحت إشراف الوزير الفاطمي شاور بن مجير السعدي.
استطاع صلاح الدين أن يجذب الانتباه نتيجة مشهد هروب شاور من مصر إلى الشام استغاثةً بنور الدين زنكي، حيث تمكن شاور من الحصول على الدعم من نور الدين، وفي عام 558 هجرياً، قرر عمه أسد الدين شيركوه أن يبث الجيش إلى مصر لتقديم المساعدة.
استلزم الأمر أن يتولى صلاح الدين دوراً قيادياً في مؤامرة استعادة مصر التي خضعت لحكم الضرغام، وكان ذلك بداية لمشوار عسكري عظيم. وقد قوبل صلاح الدين بمعارضة كبيرة وحاقدة، إلا أنه أثبت كفاءته وذكاءه في تلك المعارك، حتى تمكن من استعادة السيطرة على مصر.
تطوير صلاح الدين كقائد
بعد الانتصار في الحملة العسكرية على مصر، تعززت مكانة صلاح الدين، حيث أصبح له دور أكبر من أي وقت مضى وتوطدت سلطته أكثر فأكثر بعد تولي أسد الدين الوزارة على البلاد.
وعند وفاة أسد الدين، رسم الخليفة الفاطمي خطوات جديدة في السياسة، ما مهد الطريق لتولي صلاح الدين زمام الأمور في مصر، ليبدأ في تطوير سياساته بما يضمن وحدة البلاد.
صلاح الدين كسلطان لمصر
قبل وصول صلاح الدين للسلطة، كانت مصر تابعة للدولة الفاطمية، وكان من غير الممكن أن تتعاظم مكانتها السياسية. ومع احتدام الصراعات مع الصليبيين، استطاع صلاح الدين أن يتخلص من المعارضة الداخلية، ويبدأ في تأسيس سلطته الحقيقية كسلطان لمصر.
استغل صلاح الدين كل تلك الظروف ليعزز مكانته بقوة، وبدأ في تطبيق قوانين تأكيد المذهب السني، حيث قام بتعيين قضاة من المذهب الشافعي وألغى الأعمال المرتبطة بالمذهب الشيعي، مما ساهم في توثيق سلطته وتحسين أجواء البلاد الثقافية والدينية.
تعزيز المذهب السني في مصر
أحاط صلاح الدين نفسه بالأقرباء والأصدقاء الذين دعموا رؤيته، وقام بعدد من الخطوات لتثبيت المذهب السني، منها إلغاء قضاة الشيعة وتعيين بدائل من المذهب السني، مما عزز الاستقرار السياسي والتهجين العقائدي في البلاد.
أسس أيضاً مدرستين في الفسطاط، ارتكزت على المذهب السني، وفرت منبرًا للعلوم الشرعية تمثل التنوع الفكري السائد. من خلال جهوده، أرسى أنظمة تعليمية وثقافية كان لها الأثر العميق في تطوير الهوية الدينية لمصر.