نعمة الرضا بما قسمه الله لك

إن الله سبحانه وتعالى خلق عباده وقسم رزقهم بينهم، وفضل بينهم في الميزات، وهذه هي سنة الله في خلقه، إذ منح لكل واحد منهم درجته ومقامه.

حتى في صفوف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقد فضل بعضهم على بعض، فجعل من بينهم خمسة من أولي العزم، في مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حبيب الله. وفي هذا المقال، سنتحدث عن أهمية الرضا بما قسمه الله لك كنعمة.

الرضا بما قسم الله

  • كتب الله في اللوح المحفوظ لكل عبد رزقه، وعمره، وذريته، فلا يُمكن للعبد أن يموت قبل أن يستوفي كل ما كتب الله له من رزق.
  • لو اجتمعت الدنيا بأسرها لتمنع عنك لقمة عيش أو درهماً كتب لك، فلن يُمكنهم منعها.
  • يجب أن نعلم أن كل ما يحدث لنا هو مُقدّر في اللوح المحفوظ وهو من مشيئة الله.
  • لذا، ينبغي علينا التقبل بما نواجهه من قدر الله، فالإيمان بالقدر، سواء كان خيراً أو شراً، هو أحد أركان الإيمان.
  • ما من سبيل أمامنا إلا أن نحمد الله ونشكُره على ما يُقَدّر لنا، سواء أكان خيراً أو شراً.
  • إذا كان خيراً فهو من عند الله، أما إذا كان شراً، فهو نتيجة تصرفاتنا.
  • كثيراً ما تواجهنا مصاعب مثل ضيق الرزق أو مرض أو غيرها من ابتلاءات الحياة.
  • وكل ذلك قد يكون بسبب ذنب اقترفناه، ولا يُرفع إلا بالتوبة والاستغفار.
  • قال الله سبحانه وتعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله ليعذبهم وهم يستغفرون).
  • وقال أيضاً: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك).
  • يُعتبر الرضا أساساً من أسس الدين، ويجب على العبد شكر الله على كل ما يقدره، فقد جعل الله كلمة “الحمد لله” تملأ الميزان.
  • إن الحمد هو أساس البركة، وهو الذي يجلب الخير في الدين، الصحة، والمال.
  • إذا عانيت من نقص في الرزق، فلا تتبرأ من قضاء الله، وتذكر أن هذه الحياة الدنيا هي دار بلاء.
  • إذا كان لديك خير، فاحمد الله عليه، وإن نزل بك شر، فلا تلومن إلا نفسك.

الرضا وقول الله تعالى ولقد خلقنا الإنسان في كبد

  • معاني الكبد تعني المشقة، والسعي نحو الرزق، لكن ليس كل شيء مرتبط بالسعي.
  • فالرزق مكتوب في اللوح المحفوظ، وهو قدر الله سبحانه، ولن يموت العبد قبل أن يأخذ ما كتبه الله له.
  • إذا جاء ملك الموت ليقبض روح العبد، فإنه يبلغه: (يا عبد الله، لقد تجولت في الدنيا فلم أجد لك كسرة خبز أو شربة ماء قد كتبها الله لك، فقد استوفيت كل ما كتب لك من رزق).

لماذا يبتلينا الله سبحانه وتعالى؟

  • إن النفس أمارة بالسوء تجعلنا نشعر بالتبرم عندما نتعرض لابتلاء في المال، النفس، أو الأولاد.
  • لكن علينا أن نفهم حكمة الله في ابتلائنا لنجد فيها خيراً عظيماً.
  • يبتلي الله عبدَه ليطهره من الذنوب التي أصابته.
  • لرحمته، فإن الله لا يحب أن يواجه عبدَه يوم القيامة مثقلاً بالذنوب، ولهذا يبتليه لينقله من معصية إلى طاعة.
  • وقبل الابتلاء، يمنح الله العبد الصبر والشكر على ما ابتُلي به، فالابتلاء قد يكون وسيلة لرفعة مكانة العبد.
  • قد يكتب الله للعبد مكانة لا يستطيع إدراكها بأعماله، فيبتليه ثم يمنحه الصبر حتى يتحمل بلاء الله.
  • عندما يثني العبد على الله ويشكره، يصل إلى تلك المرتبة برحمة الله.
  • لأن الله أراد لنا مكانا لا يمكن الوصول إليه فقط من خلال الصلاة، الصيام، أو الذكر.
  • إن الله يجبر تقصيرنا في عبادته بالابتلاءات، والابتلاء إما أن يُطهرنا أو يرفع درجاتنا عند رب العباد.

الرضا وأجر الصابرين

  • قال سبحانه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
  • وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الصابرين يجلسون على مقاعد من نور ثم يصب عليهم الخير صبًا ويصب عليهم الأجر صبًا).

تُفتح لهم أبواب الجنة دون أن يُعقد لهم ميزان أو حساب، ولا عذاب ولا مؤاخذة، ويقال لهم أدخلوا الجنة بما صبرتم.

  • وعندما يأتي أهل الابتلاء في الآخرة، يحسدهم العصاة، متمنين لو أنهم ابتُلوا مثلهم.
  • وذلك لما يرون من الخير والأجر والسعادة التي نالوها بفضل صبرهم.
  • إن الصبر في حد ذاته هو رزق أعطاهم الله.
  • قال الله سبحانه وتعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون). (البقرة: 155-156).
  • في هذه الآية، قد أوضح الله سبحانه وتعالى أن الابتلاءات ستحدث بالخوف، الجوع، نقص الأموال، والفقدان، لكنه وعد الصابرين بالبشرى؛ لأن لأجر الصبر قيمة عظيمة تفوق الألم الذي نواجهه.

استدراج أصحاب النعم المفسدين

  • قال الله سبحانه وتعالى:

(ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلكم فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون* فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون* فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون). (الأنعام: 42-44).

  • كثيراً ما نجد عباد لله قد أنعم الله عليهم بالرزق الواسع والصحة، لكنهم في المقابل يقترفون السيئات ويمارسون الفساد.
  • يعتقد هؤلاء بحماقة أن الله قد فتح لهم أبواب النعمة تكريماً لهم، متجاهلين أن تلك النعم قد تكون استدراجاً من الله.
  • دون أن يدركوا أنهم قد أخطأوا في التقدير وأن الله سبحانه قد يمتحنهم بنعمته حتى ينسوا شكره ويغفلوا عن ذكره.

هل يمكن أن يتغير قضاء الله؟

  • قضاء الله مُدوّن في اللوح المحفوظ منذ آلاف السنين، لكن رحمة الله تشمل كل شيء.
  • الإجابة هي: نعم، يمكن تغيير قضاء الله، فهو لا يرد إلا بالدعاء.
  • قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
    • (إذا نزل القضاء فتلقاه الدعاء فإنهما يختصمان حتى قيام الساعة).
    • أي يتعاركان حتى قيام الساعة، على سبيل المثال إذا كان القضاء هو مرض أحدهم، أو طلاق.
    • يعلو الدعاء من العبد الصالح سواء كان هو المُبتلى أو شخص آخر.
    • إن كان غيره فهو أفضل؛ لأن دعاء المرء لأخيه في الغيب مقبول بإذن الله.
  • وفي الأثر تُروى قصة امرأة عاقر ذهبت إلى موسى كليم الله، فقالت له: (يا نبي الله، ادعُ الله أن يرزقني الولد). وعندما دعا موسى ربه، قال له: (يا موسى، قد كتبتها عقيماً). ثم جاءت إليه مرة أخرى، وبعد عام، تطلب نفس الدعاء.
  • فدعا موسى ربه مرة أخرى، فقال: (يا موسى، قد كتبتها عقيماً). وفي المرة الثالثة، جاءت تطلب منه الدعاء، فقال لها موسى عندما رآها تحمل طفلاً: (من أين لك هذا؟).
  • فأجابت: (هو ابني، رزقني الله به). فقال موسى: (يا ربي، سألتك لها الولد فقلت: قد كتبتها عقيماً). فرد الله: (يا موسى، كنت أقول عقيم وتقول يا رحيم. غلبت رحمتي قدري، ورزقتها الولد).
  • إن الاستغفار هو وسيلة لتغيير القضاء، كما قال رب العزة في سورة نوح: (وقالوا استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين).
  • كذلك يمكن أن يتغير القضاء بالصدقة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (داووا مرضاكم بالصدقة).
  • وقال أيضاً: (الصدقة تطفئ غضب الرب).

علاج عدم الرضا بما قسمه الله للعبد

  • التفكر في حكمة الله:

    • يجب على المسلم أن يتأمل في حكمة الله تعالى، وأن يعلم أن تقدير الأمور لحكمة قد لا يدركها الإنسان. قال تعالى: ﴿عَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (البقرة: 216).
  • الاعتماد على الإيمان بالقضاء والقدر:

    • الإيمان بالقضاء والقدر هو جزء أساسي من الإيمان. يجب على المسلم أن يدرك أن كل ما يحدث له هو بتقدير الله، وأن ذلك في مصلحته في النهاية.
  • الصبر والتفاؤل:

    • يجب على المسلم أن يتحلى بالصبر في مواجهة المصائب، مع التفكير الإيجابي بأن الفرج قريب. قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “إنما الصبر عند الصدمة الأولى” (رواه البخاري).
  • شكر الله على النعم:

    • يجب التركيز على ما نملكه من نعم الله بدلاً من التذمر من النقص. قال النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” (رواه أحمد).
  • الاستعانة بالدعاء:

    • يعتبر الدعاء وسيلة للتقرب إلى الله وطلب الرضا والتوفيق. يمكن أن يتوجه المسلم بالدعاء لمشاعره من قلق أو عدم رضا.
  • التفكر في الدروس المستفادة:

    • من المهم محاولة استيعاب الدروس والعبر المستفادة من كل موقف. فكل تجربة قد تكون فرصة للنمو الشخصي والروحي.

أمور معينة على تحقيق الرضا

  • الإيمان بالله وأسمائه وصفاته:

    • تعزيز الإيمان بأسماء الله الحسنى وفهم أن الله هو العليم الحكيم، الذي لا يقدم إلا الخير.
  • العمل الصالح:

    • زيادة الأعمال الصالحة، مثل الصلاة والصدقة والذكر، مما يُعزز القرب من الله ويساعد في تهدئة النفس.
  • التواصل مع أهل العلم:

    • يجب استشارة العلماء والمشايخ لفهم الأمور الدينية بشكل أفضل، مما يعزز الإيمان بالقضاء والقدر.
  • التركيز على الإيجابيات:

    • على المسلم أن يسعى للتركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة وكذلك الإنجازات التي حققها، بدلاً من التركيز على النواقص.
  • الاحتساب والتوكل:

    • يجب العمل على تعزيز مفهوم الاحتساب والتوكل على الله في جميع الأمور، وعدم الاعتماد على الأسباب المادية فقط.

وجوب الرضا بقسمة الله وقضائه

  • الرضا بقسمة الله جزء من الإيمان:

    • يتطلب الإيمان بالقضاء والقدر الرضا بقسمة الله. يجب على المسلم القبول بما قسمه الله له، مدركاً أنه هو الأفضل له.
  • المسؤولية والاحتساب:

    • الرضا لا يعني عدم السعي لتغيير الظروف، وإنما يجب أن يكون السعي مصحوبًا بالقناعة والرضا بما قسمه الله.
  • المصداقية في الدين:

    • الرضا بقضاء الله يعكس صدق الإيمان وثقة العبد في حكمة الله وعدله، مما يعزز إيمانه بالله.
  • النصوص الشرعية:

    • توجد العديد من النصوص الشرعية التي تؤكد على أهمية الرضا بالقضاء والقدر، مثل قوله تعالى: ﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾ (يونس: 7)، وكذلك قوله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (الزمر: 10).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top