مقدمة حول آية “أجعلتم سقاية الحاج”
تعتبر الآية الكريمة (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) من سورة التوبة، الآية التاسعة عشر. وتأتي الآية في إطار توضيح من هو الأحق بعمارة المسجد الحرام، مما يدل على أن الأحق هم المؤمنون بالله واليوم الآخر.
كما تؤكد الآية على أهمية الإيمان بالله وأهمية العمل الصالح، وبالأخص الجهاد في سبيل الله، وتظهر تفوق هذه الأعمال على سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام.
سبب نزول آية “أجعلتم سقاية الحاج”
نزلت هذه الآية في مناسبة تتعلق بعدد من الصحابة الذين كانوا يتباحثون في مسجد النبي حول أولوية سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام مقارنة بباقي الأعمال ذات القيمة في الإسلام. وعندما علم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المناقشات، نزلت الآية لتوضيح المعنى كما ورد: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ لَا يَسْتَوُونَ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
يذكر النُعمان بن بشير بأن أحد الحضور في ذلك النقاش، قال إنه لا يهتم إذا لم يعمل أي عمل بعد الإسلام سوى سقاية الحجاج، بينما جاء آخر قائلاً بأنه لا يهتم إلا بعمارة المسجد الحرام. ولكن أحدهم أشار إلى أن “الجهاد في سبيل الله” هو الأفضل بين الأعمال المذكورة، مما جعل عمر بن الخطاب ينبههم بضرورة عدم رفع أصواتهم في مسجد النبي، ووعد أن يسأل النبي عن ما اختلفوا فيه.
تفسير آية “أجعلتم سقاية الحاج”
تتضمن الآية الكريمة بعض المؤمنين الذين قاموا بتفضيل سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام على الجهاد في سبيل الله، كما تشير إلى بعض المشركين الذين كانوا يتفاخرون بتقديم هذه الخدمات. وتوضح الآية الفارق الكبير بين أجور الجهاد وعمارة المسجد وسقاية الحجاج، مشيرةً إلى عدم إمكانية التفضيل بينهم وفقًا لميزان الحق، حيث تكون الأفضلية لله سبحانه وتعالى لمن آمن به إيمانًا صادقًا واجتهد في رفع كلمته.
تأتي الآية التالية لتدعم هذا المفهوم، حيث يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ). وهكذا فإن الذين آمنوا وإيمانهم بحق وهاجروا لحماية دينهم وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، يعتبرون الأعلى مكانةً وأشرف منزلةً في تقدير الله مقارنةً بالذين يهتمون بأعمال مثل سقاية الحجاج وعمارة المسجد الحرام.